أبو عبد العزيز Admin
عدد المساهمات : 274 نقاط العضو : 6218 تاريخ التسجيل : 21/07/2009
| موضوع: قصة المخترع إدسون الثلاثاء مارس 15, 2011 1:24 am | |
| قصه إدسون
دخل توماس أديسون المدرسة الابتدائية ولكنه لم يمكث فيها طويلاً فقد أدعت المدرسة بأنه غير قابل للتعلم بل أكثر من ذلك زعمت المدرسة أنه بليد ومعاق ومتخلف العقل فلم تسمح له بمواصلة الدراسة!!
إن هذا الذي حَكم عليه التفكير المدرسي بالبلادة والعجز والتخلف هو الذي يقول عنه دين كيث سايمنتن في كتابه (العبقرية والإبداع): (.. سجل توماس أديسون 1093براءة اختراع ومازال هذا الرقم هو الرقم القياسي المسجَّل لدى مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن..) وهو يرى أن هذه الابتكارات المدهشة دليل على أرفع نماذج العبقرية ويتفق معه كل الذين درسوا ظاهرة الإبداع أو ظاهرة التأثير في مسيرة التاريخ البشري فالعالم الأمريكي مايكل هارت في كتابه (المائة الأوائل) قد جعل توماس أديسون في المرتبة (38) بين أكثر العظماء تأثيراً على الحضارة الإنسانية منذ بدايتها حتى الآن...
إن هذه الإنجازات المتنوعة والحاسمة التي حققها أديسون وهو لم يحصل على أية شهادة وإنما علَّم نفسه تُعبِّر عن حقيقة ضخمة وهامة فإذا أنت قارنته بأي واحد من حملة الشهادات الجامعية أو العليا في العالم الثالث فسوف تكون أمام نتيجة مفزعة تنطوي على دلالات كبرى ان توماس أديسون هو أحد الآباء الكبار الذين أسسوا الصناعات الكبرى الحديثة فقد تتبع لينارد فاننج تاريخ التكنولوجيا في كافة المجالات ووجد أن الكبار المؤسسين هم أربعة وعشرون عصامياً يأتي أديسون في مقدمتهم فأين هذا النموذج المشع من أفواج الخريجين الذين تزدحم بهم مجتمعات العالم الثالث فلا يزيدونها سوى مزيد من الأعياء..؟!!
إن التفكير المدرسي الذي ضاق بتوماس أديسون هو ذاته التفكير الذي ضاق بأنيشتاين وغيره من النابهين فتاريخ الفكر والعلم والفن والأدب مليء بالنماذج المضيئة التي حَكَمَ عليها التفكير المدرسي بضعف قابلية التعلُّم ولكن الأيام أثبتت أن استقلال التفكير لدى النابهين هو الذي يضايق التفكير المدرسي فالنابهون يضيقون بالتلقين ويأنفون من غطرسة بعض المعلمين الفارغين كما أن كثرة أسئلتهم وحدَّة تساؤلاتهم ووضوح شدة اعتدادهم بفرديتهم.. كل هذا يتعارض مع التفكير المدرسي..
إن توماس أديسون الذي حكم عليه التعليم النظامي بعدم القدرة على مواصلة التعلُّم هو ذاته أديسون الذي دشَّن عصراً جديداً عُرف باسم (عصر الكهرباء) فالمؤرخون يعتبرون أن التقدم التكنولوجي مرَّ بثلاث مراحل رئيسية كبرى: وقد مثل ظهور الآلات البخارية المرحلة الأولى كما أن اختراعات أديسون وظهور عصر الكهرباء على يديه مثل المرحلة الثانية أما المرحلة الثالثة من المراحل الإنسانية للتطور التكنولوجي فقد بدأت بظهور النظرية الإلكترونية للمادة...
وفي الكتاب المفيد والممتع (فتوحات علمية) يتحدث المؤلف والدمار كمفرت عن المنعطف التاريخي الحاسم الذي مثلته اختراعات أديسون فيقول: ".. أما الفترة الثانية (من مراحل الاختراع) فتبدأ بالمخترع الشهير توماس أديسون وقد حفلت هذه الفترة باستغلال الاكتشافات العبقرية لميشيل فراداي في ميدان الكهرباء لذلك أطلق الأدباء على هذه الفترة اسم (عصر الكهرباء) وليس في تاريخ الاختراع والمخترعين من هو أبرز من توماس أديسون فهو الذي بنى أول محطة مركزية تعمل بالبخار وهو الذي اخترع اللمبات الكهربائية التي أضاءت المنازل والمصانع والطرقات، وهو الذي ابتدع الموتورات الكهربائية التي تستطيع تسيير القطارات ومكنات المصانع ويرتبط باسمه ما لا يقل عن ألف وخمسمائة اختراع.. ولا شك أن سجل التاريخ يزدحم بالكثير من عبقريات الأفراد المخترعين لكن أديسون سيظل دائماً كالعَلَم الشاهق بينهم وفي أخريات أيامه تحول المكان الذي يشغله إلى معمل بحوث صناعية تتدرب فيه جموع العلماء من الفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين.."
إن في قصة حياة هذا المخترع المدهش الكثير من الدلالات فقد كان ضعيف الذاكرة لكنه كان متوقد العقل نافذ البصيرة مما يؤكد أن ضعف الذاكرة ليس منافياً للعبقرية كما أن قوة الذاكرة ليست دليلاً على التفوق، فليست الذاكرة سوى مخزن للتموين وقد يكون مخزن الوقود في السيارة أو الطائرة مليئاً بالوقود لكن المحركات معطلة ولا تستجيب لاستخدام الوقود فلا قيمة لقوة الذاكرة إلا بوجود الخيال الخصب والعقل الناقد المتوقد والقدرة على مواصلة التركيز والمثابرة والتمتع بالاهتمام القوي المستغرق..
حين حرمته المدرسة من مواصلة التعلم أدركت أمه أن حكم المدرسة على ابنها كان حكماً جائراً وخاطئاً فعلمته بالمنزل فأظهر شغفاً شديداً بالمعرفة وأبدى نضجاً واضحاً مبكراً، ففي طفولته وصباه كان يقرأ في أمهات الكتب من أمثال كتاب (انحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها) لادوارد جيبون وهذا دليل واضح على النضج المبكر، فهذا الكتاب من أشهر المراجع التاريخية الضخمة والجادة وهذا يؤكد أن عقل أديسون كان أكثر نضجاً وانفذ بصيرة من المدرسة بمديرها ومعلميها التي ضاقت بكثرة أسئلته فاستنتجت بأن كثرة الأسئلة دليلٌ على قصور الفهم وأنه برهانٌ على الغباء رغم أن العكس هو الصحيح فكثرة الأسئلة تدل على يقظة العقل واستقلال التفكير واستمرار الدهشة..
إن حرقة الأسئلة والشغف بالمعرفة والحماسة للإدراك والاستقلال في التفكير هي الصفات التي تميز أهل النبوغ ولقد جاء في كتاب (مشاهير رجال العلم) لبولتون: ".. كان أديسون في صباه شديد الحب للاستطلاع فمنذ أن تعلَّم الكلام راح يطرح الأسئلة طوال النهار فكان يقصد محلات بناء السفن فيستفسر عن وجه استعمال كل آلة من الآلات وكان يقضي الساعات الطوال في نسخ اللافتات المعلقة على واجهات المخازن.. وكانت تجاربه أكثر أوجه نشاطه أهمية فأنشأ لنفسه مختبراً كيميائياً ففي الاسطبل انتصبت صفوف من القوارير تحمل كلٌ منها علامة وسرعان ما تبين له أنه يحتاج إلى المال لتمويل مختبره فاستأذن والديه بأن يتجول لبيع الصحف والحلويات ثم ابتاع أحرفاً للطباعة وشرع بإصدار صحيفة!.." كل هذا وهو ما يزال صبياً صغيراً...
ولقد كادت تجاربه في مجال الكيمياء أن تذهب بحياته فقد اشتعل المختبر وهو غارق فيه وكادت النيران أن تلتهمه وانتهت هذه الواقعة باصابته بشيء من الصمم ويقول لينارد فالنج في كتابه (آباء الصناعة): ".. ويعتقد بعض الناس أن عاهة المخترع (الصمم) قد مكنته من التفكير بطريقة أحسن لاستبعاد المعوقات الخارجية ولتجنب الوقت الضائع في الاستماع إلى الكلام التافه!!.." فالنابهون تزداد نباهتهم كلما تخلصوا من البرمجة الاجتماعية وعدم التلوث بالتفاهات لأن مواهبهم تبقى نقية ومتفتحة ونامية لذلك فهم في الغالب يؤثرون العزلة ويعيشون بالقراءة والتأمل مع أحكم وأذكى البشر..
ثم تحوَّل اهتمامه إلى مجال الكهرباء وبعد تدريب قصير تعلم مهنة إرسال البرقيات فحصل على وظيفة مناوب ليلي لكن شغفه بالمعرفة جعله يستغرق بالقراءة ولأنه مطلوب منه أن يرسل إشارة كل ساعة للدلالة على انتظامه بعمله ولئلا يكتشف رؤساؤه انشغاله بالقراءة عن عمله فقد ابتكر جهازاً يُرسل الإشارات آلياً كل ساعة ليعفيه من تكرار الإرسال حتى ينصرف للقراءة ولكن رئيسه اكتشف الحيلة وبقدر ما أعجبه الاختراع إلا أنه ساءه إهمال العمل فعُزل من الوظيفة وكان آنذاك في السادسة عشرة من العمر فتحول إلى عامل تلغراف متجول وكان يقتات من محصوله وما بقي يشتري به الكتب المستعملة وخَطَر له أنه لن يُشبع نهمه من المعرفة حتى يقرأ مكتبة كاملة وعكف في إحدى المكتبات لكنه اضطر إلى العدول عن الفكرة لصعوبة تحقيقها إضافة إلى أنه إذا حبس نفسه للقراءة فلن يجد ما يأكله..
وفي الحادية والعشرين من عمره شعر بأن التحول الدائم قد أنهكه فالتحق بالعمل لدى إحدى الشركات كعامل تلغراف فاخترع مصيدة كهربائية للصراصير في مقر الشركة فنشرت الصحف صور المقر والاختراع والصراصير فاستاءت الشركة من إظهار مقرها وهو مأهول بهذه الحشرات ففصلته من العمل فانصرف كلياً إلى الاختراع...
كان اختراع الحاكي (المسجل) هو أول اختراع يحصل على براءة اختراعه ويُسجَّل باسمه لكنه لم يجد رواجاً فتركه ولم يواصل العمل في هذا المجال غير أنه أدرك أن المضاربين بالذهب يحتاجون جهازاً يوفر لهم على اختلاف مواقعهم معلومات فورية عن ارتفاع أو انخفاض سعر الذهب فاخترع آلة للتخابر تلغرافياً عن أسعار البورصة وباع هذا الاختراع بمبلغ أربعين ألف دولار وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت وبذلك ودَّع أيام الجوع واستغنى عن النوم في الأمكنة الخلفية القذرة واستطاع أن يتفرغ للاختراع وأن ينشئ معملاً كبيراً في نيويورك كان فاتحة المعامل والمختبرات للشركات والمصانع في العالم...
كان بلء قد توصل إلى امكانية نقل الكلام بواسطة التيار الكهربائي لكنه لم يتمكن من اختراع جهاز يُمكِّن من تحويل هذا الاكتشاف الهام إلى هاتف يتيح الاستخدام على نطاق تجاري فطلبت شركة وسترن يونيون من أديسون أن يحاول صناعة هاتف قابل للاستعمال العام وبعد بضعة أشهر تمكن أديسون من تسجيل هذا الاختراع وباعه على الشركة المذكورة بمبلغ مائة ألف دولار وكانت تريد أن تدفع له المبلغ كاملاً مرة واحدة لكنه لم ينس أيام الجوع القاسية فطلب من الشركة ان تدفع له القيمة أقساطا موزعة على سبعة عشر عاما ليضمن راحة البال خلال هذه السنوات لأنه خشي أن يغامر بالمبلغ في مشاريع خاسرة فأراد أن يؤمن مستقبله بهذه الطريقة..
ورغم أنه سجل أكثر من ألف اختراع وهو رقم قياسي، لم يسجله أحد قبله ولا بعده، إلا أن الفتح الأكبر كان اختراعه المصباح الكهربائي واقدامه على إنشاء محطة لتوليد الكهرباء وإقامة شبكة لتوزيعه على المنازل والمحلات، فلقد كان الناس في كل الدنيا منذ وجودهم على هذه الأرض يعيشون ليلاً في ظلام حالك وبهذا الاختراع وبتصنيع معداته وأدواته ولوازم تعميمه وبتنظيم استخدامه تحولت المدن والبيوت والمحلات إلى أنوار ساطعة فكان هذا الاختراع وهذا التنظيم لاستخدامه نقطة تحول حاسمة في التاريخ الإنساني، فلم يكن أديسون مجرد مخترع باهر ولكنه رجل تنظيمي من طراز فريد فكأنه ينطوي على مجموعة من المواهب الخارقة في الاختراع والتنظيم والإدارة والتنفيذ والتسويق والدعاية فأنشأ محطات لتوليد الكهرباء وابتكر شبكات التوزيع وأنشأ مصنعاً لإنتاج اللمبات والأدوات الكهربائية بالجملة لتكون رخيصة وبذلك أضاءت المدن بعد إظلام ران عليها خلال كل القرون وانفتحت أبواب واسعة للعديد من الصناعات المتنوعة مثل صناعة الثلاجات والمكيفات والمصابيح والأفران والمكانس والمدافئ والأسلاك والكابلات والأعمدة والمفاتيح والغسالات وما لا يمكن حصره من الأدوات والأجهزة المنزلية والمكتبية.
كان توماس أديسون سابقاً لعصره لذلك لقي الكثير من السخرية حين أعلن بداية عصر الكهرباء وانتهاء عصر الأتاريك والسُّرج والظلام، ولم يكن التسفيه مقصوراً على العامة وإنما جاءت السخرية من الذين يعملون في مجال الاختراع من أمثال الألماني سيمنز الذي استبعد النجاح في هذا المجال ولكن ما كادت الإضاءة تعم نيويورك ومدناً أمريكية أخرى حتى التهب حماس سيمنز لجعل الإضاءة حقيقة واقعة في ألمانيا..
لقد وضع أديسون ـ كما يقول لارسن ـ: ".. أُسس الطريقة العلمية لإمداد المنازل بالكهرباء.." وسمعت أوروبا بهذا الحدث العظيم فَعَبَر المهندسون ـ كما يقول لارسن ـ: ".. المحيط الأطلنطي من أوروبا لمشاهدة تلك الأعجوبة الجديدة ومنذ اليوم الذي بدأت فيه مصابيح أديسون في التوهج تهافت العالم على الكهرباء.." فكان نجاحه المذهل بداية لعصر جديد زاخر بالإشعاع والتوهج واتساع وسائل الحياة...
ليس هذا فحسب بل كانت معامل أديسون ومختبراته وشركته مكاناً رائعاً لاستنبات المواهب وتدريب المهارات فتخرَّج على يديه كثير من ذوي الابتكار والمهارة، وكان من بينهم المخترع الصربي الشهير نقولا تيسلا الذي ابتكر التيار الكهربائي المتردد وصار ينافس أديسون لذلك كان مقرراً منحهما معاً جائزة نوبل للفيزياء عام 1915غير أن أديسون رفض تقاسم الجائزة مع تيسلا فحجبت عنهما معاً. | |
|